لوط عليه السلام
ولذلك عندما ننتقل إلى قصة أخرى لا تقل عنها في الشناعة؛ بل هي أشنع منها حقيقة، فإننا نجد أيضاً أن هناك غرضاً من إيرادها ومن ذكرها، وهذه القصة أو الحادثة الأخرى هي الحادثة المنسوبة إلى لوط عليه السلام، وهي أيضاً أبعد وأفحش من أن تليق بنبي من الأنبياء. نأخذ العهد القديم ونقرأ ماذا قال عن لوط عليه السلام، وقبل ذلك نشير إشارة إلى أن هذا السفر في الفصل العشرين منه وفي الفقرة الثانية عشرة, ذكر قصة ينبغي لنا أن نتذكرها ونأتي عليها إن شاء الله بالتفصيل عند الكلام عن إبراهيم عليه السلام؛ وهي أن إبراهيم عليه السلام تزوج أخته! القول أو الزعم بأن سارة زوجة الخليل عليه السلام كانت أخته غير الشقيقة! وهذا يمرون عليه مرور الكرام, لا يكاد الشراح يأتون عليه إلا بسطر أو سطرين، ولكن الغرض يشبه أن يكون أيضاً توطئة للكلام عن قوم لوط, أو ما سوف يفعله لوط من بعد.هناك علاقة واضحة وقوية ما بين لوط عليه السلام وإبراهيم عليه السلام، والله سبحانه وتعالى ذكر ذلك في القرآن دون أن ينص على أن لوطاً ابن أخي إبراهيم؛ لكن قال: (( فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ))[العنكبوت:26]؛ فذكر الله تبارك وتعالى أن لوطاً عليه السلام كان معاصراً لإبراهيم، وأنه آمن بدعوته، وأنه هاجر معه الهجرة التي هي لله وفي ذات الله، ولم يأت القرآن على ذكر الأماكن والمواقع أو كما في التوراة عدد الأغنام وعدد الحمائل والعبيد, كل هذه لا تهم أبداً؛ لأن العبرة والعظة هي أن لوطاً عليه السلام كان نبياً مُكرَّماً، وكان على دين الخليل إبراهيم عليه السلام، أي أنه كان على الحنيفية. وقد ذكرنا في اللقاء الماضي أن الحنيفية التي هي دين إبراهيم عليه السلام تشمل عند علماء الإسلام بالدرجة الأولى العقيدة التي هي البراءة من الشرك وأهله، هذا بالدرجة الأولى, والحنَف أو التوجه أو الميل للتوحيد الخالص النقي الذي دعا إليه الخليل وبنى لأجله الكعبة وأوصى بها بنيه عند الموت, وأمر آخر تشمله هذه الحنيفية السمحة؛ وهي: أن هناك محرمات حرمها الله تعالى لا تليق بالأنبياء جميعاً، ونص عليها علماؤنا، فقالوا من ذلك: نكاح الأمهات أو الخالات أو القريبات. والأمر الثالث: هو شعائر وسنن الفطرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم, وأنها من سنن أبينا إبراهيم عليه السلام, ومن أشهرها وأعظمها الختان. إذاً: نجد أن هناك في العقيدة الإسلامية ما ينفي نفياً قاطعاً هذا الكلام الذي ينسب إلى إبراهيم عليه السلام من جهة أن سارة كانت أختاً له غير شقيقة؛ لكن هذا كما قلنا يأتي بشكل أصرح في موضوع لوط عليه السلام، ونأتي إلى واقعة, لولا أن مقتضى البحث العلمي أن نوردها وأن نقرأها لكان الإنسان يستحي أن يوردها أو أن يتحدث عنها أو أن ينشرها؛ لكن لا بد من ذلك لبيان ما فعله هؤلاء المحرفون الذين دنسوا الأنبياء، توصلاً إلى تدنيس الشعوب المخالفة لهم, وإظهار العنصرية الحاقدة التي لا زالوا يمارسونها حتى اليوم باسم: محاربة من يعادي السامية, أو من يتكلم عن الساميين بزعمهم.في الفصل التاسع عشر يقول التكوين: صعد لوط من صوغر -اسم مكان- وسكن في الجبل وابنتاه معه. المهم أنه اتخذ من مغارة في الجبل بيتاً له، هنا يأتي الإشكال؛ ابتداء من الفقرة الحادية والثلاثين: وقالت البكر الصغيرة: أبونا قد شاخ -تقول لأختها- وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض -يعني: ليتزوجنا- فقالت لأختها: هلم نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلاً, يعني: يكون لنا ذرية من أبينا. يقول في الفقرة الثالثة والثلاثين: فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة, ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها, وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمراً الليلة أيضا فادخلي واضطجعي معه فنحيي من أبينا نسلاً؛ ففعلتا في الليلة الثانية -والعياذ بالله- وقامت, وفي النهاية يقول: فحبلت ابنتا لوط من أبيهما. نعوذ بالله هذه الشناعة التي يقولها هذا الكاتب المحرف لكلام الله, ثم يقول: فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب، وهو أبو الموآبيين إلى اليوم, والصغيرة ولدت ابناً دعته ابن عمي وهو أبو بني عمون إلى اليوم.